هل الموسيقي حرام ؟ رؤية عن ٢٠٣٠ والفرصة التاريخية

folder_openالمدونة
commentلا توجد تعليقات

هل الموسيقي حرام ؟ منذ أن كنت طفلاً وأنا أتسائل عن علة تحريم الموسيقى مع أنها مجرد صوت متناسق مستساغ تطرب له الروح قبل الأذن ويتراقص على أنغامها الطفل الرضيع وكأنه قد حفظ هذه الأنغام عن ظهر قلب، وكذلك تطرب له الأبل حين يحدو حاديها حداءً يحمل معاني الوجد والشوق على أيقاع خطواتها المتهادية فوق رمال الصحراء.

إن هذا الرابط الخفي بين الموسيقى والحياة يذهلني دائماً ويجعلني أتسائل وأبحث دائماً عن ماهية الموسيقى وكيف لها أن تؤثر هذا التأثير العميق في كل من نفسية الانسان والحيوان على حد سواء، بل أن بعض الدراسات- المتطرفة- تقول أن الموسيقى تؤثر على النبات أيضاً.

لست “فقيهاً” بالمعنى الكلاسيكي، أي أنني لم أتفقه في الدين على يد فقهاء متمرسين في الفقه الموروث كابراً عن كابر، ولا أدعي فقهاً بالدين، وإنما لدي إيمان عميق بأن صحيح الدين لا يتنافى مع الفطرة التي أودعها الله في أعماق كل واحدٍ منا. فما استحسنته الفطرة السليمة فهو حلال مباح، وما استقبحته فهو حرام وأثمٌ يخدش براءة الإنسانية التي ميز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات وبها تحمّلنا الأمانة التي عُرٍضتْ على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان الظلوم الجهول، وهناك محرمات لا تدرك علة تحريمها الفطرة السليمة وقد نص الله عليها في كتابه نصاً قاطعاً.

 

نعم إن الإنسان ظلوماً جهولا، حين يحرم على نفسه ما أحل الله ويضيّق على نفسه واسعاً، وحين يرتكب الخطايا والذنوب وهو يظن أنه يحسن صنعا، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كم من الأمور المباحة تم تحريمها وتجريمها على مر العصور لمجرد اشتباه أو سوء فهم أما بقصدٍ أو بغير قصد.!، قد يكون القصد أهواءً لا تخلو منها النفس البشرية الظالمة التي عبّر عنها الشاعر العربي العظيم أبي الطيب المتنبي حين قال :

الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد

                                  ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ

وما أكثر الأهواء التي عصفت بالفقه الديني الموروث على مر العصور، أما غير القصد فهو نتيجةٌ للجهل الذي يُوهِمُ صاحبه بأنه يتبع السراط المستقيم وهو يسير في متاهة الجهل العقيم، وهؤلاء الذين عبر عنهم القرآن بأنهم ” الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.

اللهم لا تجعلنا لا من هؤلاء ولا من أولئك، وأهدنا اللهم السراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك، وأصلح اللهم نوايانا وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وإعنا على اجتنابه.

أما بعد …،

فهذا مقال من القلب وأرجو أن يصل للقلب، لا أريد منه الا طرح رأي لطالما لازمني ولازمته منذ أن وعيت على هذا الوجود، ولكن هذا الرأي تم قمعهُ بشدة من قبل النسق الاجتماعي السائد آنذاك والذي كان متشدداً حد التشنج حين يبادر أحدهم بطرح تشكيك أو تساءل عن مدى وجاهة وثبوت أو قطعية حكم تحريم الموسيقى مثلاً أو عن مدى وجاهة فرض النقاب كحجاب شرعي للمرأة أو عن جواز قيادة المرأة للسيارة، نعم كان الحوار مبتوراً قبل أن يبدأ، وكان الصمت هو الملاذ الوحيد.

أما الآن وقد أعلنها الأمير الشاب رائد التغيير وعراب الرؤية الاستراتيجية للمملكة ٢٠٣٠ بإننا لن ننتظر أربعين عاما أخرى تحت ظل الفكر المتشدد وأن لا مكان بيننا لمن يفرض رأيه المتشدد على الآخرين، فقد أصبح المناخ ملائما لتجاوز الأفكار الضيقة والانطلاق نحو تحقيق مستقبل مشرق لمجتمعنا الذي يستحق منا الكثير من العناية والعمل على ترميم جوانب النقص التي اعترته، وتعتري أي مجتمع بشري.

اليوم أستطيع أن أكتب وأن أعلن رأي بحريةٍ تامة دون التعرض إلى ذاك التنمر الوحشي الذي كان يمارس على كل من يفكر خارج النسق التقليدي الضيّق.  لقد أذنب أولئك “المجتهدون” في حق المجتمع حين حرّموا ما أحل الله، إبتداءً من تحريم الموسيقى وصولاً إلى تحريم قيادة المرأة للسيارة وما بينهما الكثير من القضايا التي أعاقوا بها حركة المجتمع نحو التقدم والتماهي مع الحياة المعاصرة، لمجرد فهم ضيق مبتور عن سياقه، واجتهادات غير منطقية وفرضِ وصايةٍ لا مبرر لها الا الشعور بالفوقية والاعتقاد باحتكار اليقين.

نعم إنا لست مع إباحة الموسيقى على إطلاقها، إنما هناك قيود بإن تتقيد الموسيقى والفن بالأطر الأخلاقية وأن يكون محتوى العمل الفني إيجابياً بحيث يساعد على نشر المثل العليا وترسيخ السلوكيات الإيجابية لدى أفراد المجتمع.

فالدين أسمى وأعظم من أن يحتكره فرد أو جماعه أو أن تستأثر به طائفة بشرية دون الأخرى فالدين فطرة الله التي فطر عليها السموات والأرض وسائر البشر، فالكلُّ في الفطرة سواء، وما تلك الأديان والملل إلا “تمظهرات” متعددة لدين الله الذي ارتضاه للبشرية جمعاء ذاك الدين السماوي الذي يوحد كل الأعراق والأجناس على اختلاف لغاتهم وموروثاتهم ويؤصل فيهم حب البشرية جمعاء، الدين الموحد الجامع لكل هذه القطع المتناثرة من الإرث البشري خلال رحلة صراع الخير والشر التي تشترك بها كل المجتمعات البشرية.

قد يقول قائل أين ذاك الدين الموحد لكل الأديان الذي تتحدث عنه.! هل هو في اليهودية أم في المسيحية أم في الإسلام، أم أنه موجود لدى الصابئة، وأظهر الأقوال في الصابئة، والله أعلم ، قول مجاهد ومتابعيه ، ووهب بن منبه : أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين ، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه ؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي ، أي : أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك
وقال بعض العلماء : الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، والله أعلم. أي أن مصطلح الصابئي قد يشمل جميع متبعي الأديان غير السماوية الثلاث.

 

أين نجد ذلك الدين؟ نجده في آخر نسخة من الأديان الدين الذي ختمت به الأديان ولم ينشأ بعده أي دين، الدين الخاتم الذي نسخ بتعاليمه ونقاء مصدره كل الديانات التي قبله، الدين الذي يتسع لكل الأعراق ويستوعب كل الثقافات ويحرر الإنسان من الجهل والتعلق بكل ما هو نسبي. هذا الحكم ليس حكماً ذاتياً صادراً عن عاطفه، كوني ولدت مسلماً، فالإسلام لا يُورث إنما هو آعتقاد ويقين يصل إليه الإنسان بمحض إرادته بعد طول تفكير وتمحيص وتأمل للحياة وشؤنها وتقلبات أحوالها. إن إعتناق الإسلام هو النتيجة الحتمية لكل من يتبع صوت الفطرة المطمور في أعماق كل واحد منا.

وحين أقول أن الإسلام هو الدين الأوحد الذي يوحد كل هذه الأديان فإني لا أعني – بطبيعة الحال – تلك النسخة السائدة من الدين الإسلامي التي شُوهتْ بقصدٍ أو بغير قصد، وشوهتها تعاقب الأحداث وتناوب الدول على مر تاريخنا الطويل ولا يخفى على كل حصيف أن التاريخ قد مر بحقبٍ مظلمة تركت آثاراً عميقة في وعي المجتمعات وشوهت مفاهيم عديده وطال التحريف مفاهيم مقاصد الشرع ولم يتمكن التحريف من أن يطال حرفية النص الذي تكفل الله بحفظة.

 

إذاً عن أي نسخة من الإسلام أتحدث.! تلك النسخة التي تجمع شتات البشرية وتوحد صفوفهم، إنها النسخة التي لم توجد بعد، النسخة التي تنتظر أبناءها كي يشرعوا في إعادة ترميم هيكلهم الفكري وبعث الروح في مناحي الحياة وخلق نموذج حضاري للإنسان المسلم، بحيث يكون أنموذجاً ماثلا للعيان مثلما تم فتح العديد من البلدان الآسيوية سلماً دون قتال، إنما بالقدوة الحسنة والنموذج الفعال للفرد المستقيم الذي يراعي الله في كل معاملاته وشؤونه. إن إعادة بعث الجانب الأخلاقي الذي تتضمنه رسالتنا السماوية الخالدة وتجسيده على أرض الواقع هو الضمانة الوحيدة للبشرية كي تحيا في مجتمعاتٍ متزنة أخلاقياً ويسودها الأمن والاستقرار والتمدن.

كما أن التركيز على الأمور والقضايا الشكلية أو الخلافية وتسويقها على أنها قضايا كبرى هو أكبر معول هدم في هيكلنا الفكري. خذ مثلا ذاك التركيز الذي ساد خلال التسعينات الميلادية من القرن العشرين على حكم حلق اللحية وإسبال الثوب حتى أصبحت هذه المظاهر هي التي تحدد ” الملتزم” بتعاليم الدين من غيره. ومن هنا لاحظ البعض أن هناك منفعة دنيوية  بمجرد التمظهر بمظهر المتدين، ففشى النفاق بين أوساط الشباب، فلا يلزم ان تكون متديناً الا أن ترخي اللحية وتقصر ثوبك وتوهم نفسك والآخرين بأنك تتبع تعاليم الدين، فتفتح لك أبواب الثقة والتقدير والاحترام المجتمعي، وهذا النموذج ” المتوهم” للرجل المتدين هو الذي ساهم في تشويه صورة الدين لدى كثير من الشباب الذين اكتشفوا أن منظري الصحوة ما كانوا الا مهرجين أو ممثلين خدعوا أنفسم وخدعوا الشباب معهم.

 

إن تحرير شخصية المتدين من الصورة النمطية التي أفرزتها أدبيات الصحوة هي الخطوة الأولى نحو بناء مفهوم جديد حول التدين وماهية الدين، ولن يتأتى هذا التحرير إلا بتحرير العقل من سلطة الموروث، الذي يؤثر تأثيراً مباشراً في أحكامنا ويفرض وصايته الفكرية على نمط تفكيرنا مما يفوت علينا استثمار الفرص كي نعيد بناء حضارتنا العربية التي أعزها – وأعزنا الله – بالإسلام، أنى ابتغينا العزة بغيرة أذلنا الله.

 

إننا حين ننقي مفهوم الدين مما شابها من الأفكار والمفاهيم الخاطئة على مر القرون فإننا بهذا الفعل نقوم بدورنا الحضاري والإنساني الذي أوكله الله لجميع بني البشر وجعل الأفضلية والأولوية لمن يعتنق هذا المعتقد الذي يجمع البشرية جمعاء، فنحن العرب أولى باعتناق هذا المعتقد وخدمته حيث أن الرسالة نزلت بلغتنا التي تتميز عن باقي اللغات بتناغمها الموسيقي من جهة وقدرتها الفائقة على اختزال المعاني من جهة أخرى، وإن تفريطنا بهذه الثروة المعرفية يعتبر تخاذلاً تاريخياً ووصمة عار في جبين كل من ينطق بالعربية.

إن الثورة المعرفية والثقافية التي تنطوي عليها مرتكزات رؤية ٢٠٣٠ هي فرصة تاريخية لأبنائنا كي يجسدوا المشهد الحضاري الذي نستحقه وذلك بالعمل الجاد نحو خلق الأفكار الجديدة ونقد الأفكار القائمة والتفاعل مع الواقع بإيجابية، واستثمار مناخ الحرية الذي لم يكن متاحاً من قبل، إنها فرصة للطامحين الذين يضعون أهدافاً بعيدة لحياتهم، بل للطامحين الذين يريدون أن يتركوا أثراً إيجابياً في المجتمع البشري حتى بعد رحيلهم، فلدينا كل المقومات، إرثٌ حضاري غنى وجذور تاريخية عميقة واستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، وانفتاح على العالم الخارجي وتفاعل مع باقي شعوب العالم.

Tags: alarabiya, alhurranews, entertainment_sa, FilmMOC, GEA_SA, gea_saudi, gea.ksa, MOC_Music, MOCHeritage, MOCLibraries, MOCMuseums, MOCPerformArt, mocsaudi, Nameer, Nameer_Arts, Nameer_Arts_canter, Nameer_canter, Riyadh_music, SaudiNews50, sorour_ksa, VisitIthra, الهيئة_العامة_للترفيه, دى_الموسيقى, مركز_سرور_الموسيقي, نمير, نمير_للفنون, وزارة_الثقافة

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed