أبرز مدارس الفن التشكيلي
كمقدمة لموضوع مدارس الفن التشكيلي يجب الوقوف عند الفنون. التي تعتبر هي أحد الوسائل التي تقوم بنقل ثقافة كل مجتمع. ومن بين تلك الفنون “الفن التشكيلي” وهو انعكاس للواقع يتم صياغته فنيا بعدة صور حسب منهجية وفكرة كل فنان تشكيلي ، وهذا ما أدى إلى إنشاء العديد من المدارس للفن التشكيلي التي تبنت مختلف أذواق وأفكار الفنانين وأحاسيسهم ، فالفن من أهم الأشياء التي تهم الإنسان ، فهو يبني مجتمع ويتم من خلاله توصيل رسالة إلى العامة ورواية قصص واقعية وتعريف العالم بها ومعرفة المواقف الإنسانية ، وقد ظهرت أول مرة في أوروبا ومن ثم انتقلت إلى الفنانين العرب إلى أن أصبحت في جميع أنحاء العالم، وسنعرض في هذا المقال أبرز مدارس الفن التشكيلي كل على حده وهي:
المدرسة الواقعية – المدرسة الكلاسيكية – المدرسة الإنطباعية – المدرسة الرمزية – المدرسة التعبيرية
المدرسة الدادائية – المدرسة السريالية – المدرسة التجريدية – المدرسة التكعيبية – المدرسة الرومانسية
من مدارس الفن التشكيلي المدرسة الواقعية
لوحة الرجل اليائس للفنان غوستاف كوربيه
ظهرت المدرسة الواقعية في القرن التاسع عشر ردا على المدرسة الرومانسية حيث أنها ركزت على نقل الواقع بموضوعية بعيدا عن الذاتية وانطباعات الفنان ، وتحويلها لعمل فني يحاكي الطبيعة ، وتم رفض كل معايير المدرسة الرومانسية التي ركزت على الشكل الخيالي في لوحاتها ، فالمدرسة الواقعية تريد من الفنان التشكيلي أن يكون موضوعيا بعيدا ومتجردا من الذاتية ، بحيث ينقل الواقع بكل دقة ووضوح ومن واقع الحياة اليومية ، ويدخل في حياة الجماهير ويقدم حلولا لمشاكلهم ، فيجعل من عمله الفني وسيلة اتصال بالجمهور، ومن أبرز الفنانين في المدرسة الواقعية الفنان الفرنسي غوستاف كوربيه الذي قاد حركة الواقعية في الرسم والتزم برسم مايمكن أن يراه فقط، ومن أبرز آرائه في العمل الفني أنه لا يستطيع الفنان أن يرسم ملاكا دون أن يراه ، مهما ابتعد بخياله لايستطيع أن يأتي بصورة واقعية للملاك
ومن مدارس الفن التشكيلي أيضا المدرسة الكلاسيكية
لوحة الجيوكندا (الموناليزا) للفنان ليوناردو دا فينشي
تعد المدرسة الكلاسيكية في الفن التشكيلي حجر الأساس واعتمدت بشكل كبير على الرسم والنحت الدقيق ، وتم بدء استخدام هذا النوع من الفن في القرن الثامن عشر، حيث انتشرت قوانينها لأول مره في اليونان التي يجب على كل فنان أن يلتزم بها ، وتشمل التناسق والتوازن والاعتدال والبعد عن التعبير عن عواطف ومشاعر الفنان الذاتية ، فمثلا عندما يقوم الفنان بالنحت يختار الكمال الجسماني للرجل أو المرأة فيظهر العمل الفني وكأنه صورة حقيقية بالحجم والقياسات نفسها للإنسان الحقيقي ، وقد ازدهرت هذه المدرسة في أوروبا من منتصف القرن الثامن عشر وحتى التاسع عشر ، ومن أبرز الفنانين في هذه المدرسة الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي صاحب لوحة الجيوكندا والمشهورة بالموناليزا
مدارس الفن التشكيلي – المدرسة الإنطباعية
لوحة انطباع شروق الشمس للفنان كلود مونيه
المدرسة الإنطباعية أو التأثيرية هي مدرسة فنية أُوجدت في القرن التاسع عشر، وكان أول من استعمل هذا الأسلوب الجديد هو الفنان الفرنسي كلود مونيه، حيث تم اشتقاق اسم المدرسة من اسم لوحته (انطباع شروق الشمس) واعتمدت هذه المدرسة على نقل الواقع بعيدا عن التخييل، فهو فن مستمد من الطبيعة بصورة كلية، وسميت بهذا الاسم لأنها تنقل انطباع الفنان عن المنظر بعيدا عن الدقة والتفاصيل، ويمكن تسمية فناني هذه المدرسة بفنانين البيئة، لأنهم قرروا أن ينفذوا أعمالهم خارج المرسم إلى الطبيعة والهواء الطلق، حيث تميزت أعمالهم بألوانها المبهجة الصارخة مع استخدام عنصر الظل والنور، لم يهتموا بالشكل والخطوط الصريحة بل عبروا عن فنهم عن طريق الألوان لأنهم يرون أن الألوان هي التي تعطي الشكل أهمية وقيمة جمالية، وللمدرسة الإنطباعية عدة أساليب وهي
الأسلوب التنقيطي: وهو عبارة عن أسلوب يتم فيه رسم نقاط متجاورة كتلك الصورة التي تتكون في شاشة التلفاز حين يفقد الإرسال .
الأسلوب التقسيمي: وهو عبارة عن أسلوب رسم بألوان نقية دون تغيير في الألوان، بمعنى تقسيم اللوحة إلى عدة ألوان دون خلطها .
الأسلوب الثالث: وهو عبارة عن أسلوب يعتمد على رسم ذات الأشياء ولكن في أوقات متغيرة، مثلا رسم منظر في النهار ثم رسم ذات المنظر وقت الغروب ليتبين للمشاهد اختلاف الألوان في نفس المنظر .
مدارس الفن التشكيلي – المدرسة الرمزية
لوحة بعنوان امرأة تراقيه للفنان غوستاف مورو
هي عبارة عن أسلوب مأخوذ من الطبيعة تم صياغتها فنيا بشكل جديد بحيث يُطلق كل فنان أفكاره وأحاسيسه حسب البيئة التي يعيش فيها باستخدام الألوان للتعبير عن الحقيقة النفسية، وهذه المدرسة ترى أن لكل لون رمز يدل على حال الفنان في الواقع ويتم تشكيله بصورة فنية، وعلى المُشاهد أن يتذوق اللوحات لكي يصل إلى المعنى الذي يقصده الفنان.
المدرسة الرمزية لم تقتصر على الفن التشكيلي، بل شملت الأعمال الأدبية بحيث أثرت على الأدب الأمريكي والأوروبي في القرن العشرين ، وهذه المدرسة جاءت كرد فعل للمدرسة الواقعية والإنطباعية التي كانت تتسم بالوضوح والبعد عن الغموض، ومن أبرز فنانين المدرسة الرمزية الفنان الفرنسي غوستاف مورو الذي كان يستلهم موضوعات أعماله من التراث الفكري والأسطوري القديم .
مدارس الفن التشكيلي – المدرسة التعبيرية
من أعمال الفنان الألماني ارنست كيرشنر
هي الأسلوب الفني الغير واقعي حيث يقوم الفنان بصياغة فنية للعواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. نشأت هذه المدرسة في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، فكان الأسلوب الفني لأعمال الفنانين، تعبيرات الخوف والرعب والتشويه، والموضوعات الدرامية العاطفية والخيالية، وعرض الهلوسات باستخدام الألوان المتضاربة والخطوط الخشنة لتصوير مشاهد تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة، الفن التعبيري يناقض الفن الطبيعي، لأن الطبيعي يقوم على محاكاة الواقع الخارجي بينما التعبيري يهتم بما يدور بالداخل، لذلك قام الفنانين بتطوير أسلوبهم وشخصياتهم للتعبيرعن ما بداخلهم لإبراز الحالة النفسية بوضوح، وإبداع يميز كل فنان عن غيره من الفنانين، وظهرت هذه المدرسة بشكل كبير في ألمانيا في القرن العشرين، ومن أشهر رواد التعبيرية الفنان الألماني ارنست كيرشنر الذي تميز أسلوبه بالألوان الصارخة .
من أغرب مدارس الفن التشكيلي – المدرسة الدادائية
لوحة الموناليزا بشارب للفنان مارسيل دوشان
أثرت الحرب العالمية الأولى على الفنون، حيث أنتجت مفهوم عدواني للفنون والتي أدت بدورها إلى ظهور المدرسة الدادائية، وبسبب صدمة الفنانين بالحرب والعنف المنتشر آن ذاك تحولت حركة الفن التشكيلي من الإبداع التجريدي إلى التطرف وتحطيم الاتجاه العقلاني، وصنع نوع من الفن ضد الفن، والهدف من ذلك إيصال رسالة للعامة بأن الحروب قادرة على تشويه كل ماهو جميل وتمزيق الفن ليصبح عدميا، لم تقتصر هذه الرسالة على الفن التشكيلي فقط، بل تأثر بها الأدباء والشعراء والمسرحيون والموسيقيون أيضا، ومن رواد هذه الحركة هو الفنان الفرنسي مارسيل دوشان الذي حول لوحة (الموناليزا) إلى امرأة بشارب بغرض تشويه الجمال، وخلق حقائق جديدة لإثارة وعي الناس. يرفض الفن بمضمونه الجميل، وكان بداية انتشار الدادائية في سويسرا ثم انتقلت إلى امريكا وروسيا واليابان، ولكن بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى انقضت هذه الحركة العدوانية التي ولّدت المدرسة السريالية بحيث جذبت الفنانين والكتاب والمفكرين .
مدارس الفن التشكيلي – المدرسة السريالية
لوحة بعنوان القديس أنتوني للفنان سلفادور دالي
بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى استيقظ الأدباء والفنانون والمفكرون على واقع مرير خلّفته الحرب ، وعرفوا بأن الدادائية كانت حركة تدمير وعنف وتشويه للجمال ، وآمنوا بقدرة الإنسان على التغيير ، لذلك ابتعد الفنانون والأدباء عن الدادائية فولّدت السريالية في فرنسا وازدهرت في القرن العشرين ، وكان هدفها البعد عن الواقع وخلق الأفكار والتصور الخيالي ، اهتمت السريالية بالمضمون والانتقال من الواضح إلى الغامض ، معتمدة الألوان في التعبير عن الأحلام والأفكار اللاشعورية ، وخلق إحساس بعدم الواقعية ، وعلى الجمهور ترجمة وتذوق أفكار هذا الفنان ليدرك معناها ، ومن أبرز رواد هذه الحركة ومنظّر السريالية الأول والناطق باسمها هو الفنان الفرنسي أندريه بروتون الذي بوفاته توقفت الحركة السيريالية رسميا ، ولكن أفكارها مازالت مستمرة .
مدارس الفن التشكيلي – المدرسة التجريدية
من أعمال الفنان المصري محسن عطيه
الفن التجريدي أحد أنواع فن القرن العشرين ويعني الإبتعاد عن دقة الوصف للواقع ، وإعادة صياغته برؤية فنية جديدة ، ينساب منها خطوطا وأشكالا ونغمات لونية تشبه درجات السلم الموسيقي التي تبحث عن الجوهر في أشكال موجزة تحمل في داخلها الفن الذي أثار مشاعر الفنان ، هذا النوع من الفن يعتمد على الفن الغير موضوعي ، ولكن يجب على الفنان التجريدي أن يمتلك خيال واسع وإحساس قوي لتكوين الأشكال والألوان ، وعلى المشاهد أن يترجم هذا العمل حسب مايراه ، وهذا ما يجعل اللوحات في مجال النقاش بين الأشخاص المهتمين بهذا المجال.
ومن أنواع الفن التجريدي :
الإنحنائي: يحتوي على خطوط منحنية لرسم أنماط مختلفة مثل الوجوه والدوامات وغيرها .
المرتبط بالألوان أو الضوء: وهو انسياب عدد من الألوان التي تؤدي إلى عدم قدرة المشاهد أن يميز بشكل جيد .
الهندسي: وهو رسم أشكال هندسية (مربعات ، مثلثات ، دوائر ………….
البسيط: وهو استخدام أشكال هندسية ورسم ثلاثي في منتهى البساطة وهذا مايجعله حاصل على شعبية كبيرة مقارنة مع أنواع الفن التجريدي.
الإيمائي: وهو من أصعب الأنواع وذلك لأن الفنانين يركزون على أحاسيسهم وعمق مشاعرهم بعيدا عن موضوع العمل.
ومن خصائص هذه المدرسة أن لها أثر مباشر في فن الديكور الداخلي للمنازل والمكاتب التي تلعب دورا أساسيا في التعبير عن مقدار الإهتمام بالتفاصيل الصغيرة. ومن أشهر الفنانين التجريديين العرب الفنان المصري محسن عطيه الذي قال عنه الناقد الفني صلاح بيصار (ظل الفنان محسن عطيه مخلصا للوحة التجريدية من بداية السبعينيات وحى الآن ، وأن اللغة البصرية بما تحمل من رموز وما تعكس من خطوط وألوان وتراكيب ، تبدو في شفرات تجريدية قادرة على أن تنقلنا إلى مرافئ الدهشة ومنافذ الحلم)