الفنون الموسيقية والنهضة الثقافية
إنه من المسلّم لدي – وإن أختلف معي بعضهم – بأن الموسيقى والفنون وتعليمهما يخلق توازنا لدى الفرد. ويزيد من تحصيله العلمي. وهذا ما آثبتته الدراسات الحديثة. بل أن تأثير الموسيقى يتعدى ذلك. حيث وجد أن للموسيقى تأثيراً على الحيوانات من حيث تحسين المزاج. وبالتالي تحسين الإنتاج. ففي مزارع الابقار في أوربا – مثلاً- ثبت أن للموسيقى دوراً فاعلاً في زيادة إنتاج الحليب. وكما هو معروف من تراثنا أن الجمال تطرب لصوت الحداء الذي يجعها تغذ المسير ويخفف عنها التعب. وبالطبع فإن الحيوانات ليست وحدها ما يتأثر بالموسيقى. فقد أثبتت الدراسات أن الموسيقى والفنون عموما لها أثر قوي على نفسية و سلوك الإنسان. سواء كان ممارسا لها او متذوقا.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تغييرا كبيرا في ثقافات الشعوب. فجائحة كورونا (كوفيد 19) كان لها أثر كبير في تغيير ثقافة العمل وتغيير المجتمعات بصورة عامة. وكان للموسيقى والفنون دورا أيضا في تهدئة القلق الناتج من الجائحة. كما استخدمها البعض للترويح عن أنفسهم وتقليل التوتر الزائد.
الان وبعد انتهاء الجائحة. فإن الحوجة لشيء مختلف يساعد على استعادتنا جميعا للتوازن صارت أمرا ملحا. ومن المعروف ان تعلم المهارات الجديدة (أيا كانت هذه المهارة). لها أثر إيجابي على الصحة بصورة عامة والصحة العصبية و النفسية على وجه الخصوص. وتعلم الفنون الموسيقية تحديدا يعد من الضروريات مع تزايد ضغوطات الحياة اليومية. فتعلم الموسيقى ليس فقط تعلم مهارة جديدة. ولكن الموسيقى تعتبر لغة جديدة .الأمر الذي يساعد الدماغ على فتح مسارات عصبية جديدة تساعد على الصحة العصبية. كما ان الموسيقى ليست فقط نشاط دماغي. فتعلم الموسيقى يتبعه تعلم الة موسيقية معينة. أي ان أجسامنا أيضا تتعلم مهارات جديدة. مما يساعد على تخفيف التوتر والضغوط من الأجسام. إذا فتعلم الموسيقى يجعلك في حالة جديدة. قد تكون السبب في تغيير حالة مزاجية أو نفسية معينة للأفضل.
الموسيقى والنهضة المجتمعية في المملكة العربية السعودية
مع التغيير الذي تشهده المملكة من تعليم للفنون عموما و الفنون الموسيقية تحديدا. فإن لهذه الخطوة مستقبلا باهرا في تغيير المجتمع. حيث أن التأثير النفسي الذي سينتج من الانفتاح لتعلم الموسيقى والفنون بصورة عامة. كفيل بالتغيير على السلوك المجتمعي عموما. ومن هذا المنطلق لك أن تتخيل مقدار التغيير الثقافي الذي سيحدثه تعلم الموسيقى في مدارس التعليم العام مثلا. القرار الذي يعتبر قراراً مفصلياً وتاريخياً في مسيرة المملكة التنموية الهادفة إلى بناء الإنسان في المقام الأول. ورفع مستوى جودة الحياة لأفراد المجتمع. بحيث نضمن الأمن والسلام المجتمعي. وذلك تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة الإستراتيجية ٢٠٣٠.
إن تعليم الموسيقى في مدارس التعليم العام. ليس ترفاً أو لهواً- كما يصفه البعض. وإنما هو ضرورة مُلحة تمليها علينا متغيرات الحياة وإيقاعها المتسارع. ومع ذاك الضجيج الذي أصبح يحيط بحياتنا من كل جانب. فكم نحن بحاجة إلى ساعة صفاء وهدوء وسكينة. كي نستريح من تأثير هذا الضجيج المستمر. ونعاود نشاطنا اليومي متسلحين بالأمل والثقة بالله ثم بالنفس. فكم من شاعرٍ سوف تتفتق موهبته حين يتعلم قواعد الإيقاعات الموسيقية والأزمنة. وكم من مبدع سوف يترجم أبداعه أنغاماً مبتكرة. مستوحاة من المخزون الثقافي. والإرث الفني الضخم. الذي تزخر به ثقاتنا العربية والإسلامية. ثم إن تعليم الموسيقى وفق منهج تربوي متكامل. مستمد من هويتنا الثقافية. يساعد على المحافظة على الهوية الثقافية. حيث أن الثقافة العربية تزخر بروائع الشعر التي لم تُخدمْ فنياً. ولم يحاول الفنانون التطرق لها. خذ على سبيل المثال بعض روائع المتنبي. التي تستحق أن تغنى على شكل ملاحم فنية ومواويل فيها حكم عميقة. مما يقوّم ألسنة الطلاب ويعمق فهمهم اللغوي.
الموسيقى والفنون 2023 سدا امام التحديات
إن تحديات العصر الحديث وطبيعة نمط الحياة العصرية. تُحتم علينا كآباء ومربين. أن نملأ أوقات فراغ أبناءنا بما يعود عليهم بالنفع. وأن نوجد طرقاً ووسائل متعددة. لزرع الثقة بهم. وأكاسبهم مهارات وهوايات. تساعدهم على اكتشاف ذواتهم. وتحقيق أهدافهم في هذه الحياة. وتساعدهم على اجتناب العادات الضارة. والممارسات الخاطئة. كما أن إشغال وقت الأبناء بمهارات يدوية فنيه. تجعلهم أقل عرضة لإدمان الأجهزة والألعاب الإلكترونية. وما يصاحبها من أمراض نفسية وسلوكية. أقلها أن يكون منفصلاً حسياً عن الواقع. وليس الأبناء فقط من يحتاجون لسلاح لمواجهة التحديات في هذا الوقت. بل إن الأباء والأمهات . كل منا يساهم في نسيج هذا المجتمع. عليه جميعنا بحاجة لما يساعدنا على الهدوء والسلام النفسي. جميعنا نحتاج لفن راق. لحياة نفسية صحيحة. ومن ثم لمجتمع راق معافى.
